المتاحف العلمية ودورها في الاندماج الرائع بين العلم والفن

عرفنا منذ صغرنا أن المتاحف خُصصت للآثار القديمة التي خلفها الأجداد واحتفى بها الأبناء، فقد حوت المتاحف تماثيل رائعة، رسومات، مخطوطات، وغير ذلك مما يعطيك صورة جميلة ومختصرة عن عصر من العصور السابقة التي لم تشهد من أحداثها أو أعمال فنانيها شيئاً.

لطالما جذبت المتاحف الناس، بعضنا يرى فيها إلهاماً وإبداعاً لا يُمل من النظر إليه، ذلك لأن الإنسان بطبعه يحب الجمال، وهذه المتاحف تعرض أجمل ما تميز به عصر من العصور.

هذا الفن أوحى للعلماء بفكرة نشر المعرفة عن طريقه، فنشأت المتاحف العلمية التي تعتبر اندماجاً جميلاً بين العلم والفن، حيث لا يلقى العلم ذلك الإقبال من الناس إذا لم يكن ممزوجاً بنشاط يحقق المتعة والنشاط الجماعي، ومن المتاحف العلمية أنواع كثيرة، فمنها ما هو في الفيزياء، ومنها ما هو في الطبيعة حيث تعرض مختلف أصناف النباتات، ومنها ما يخص جسم الإنسان، وهو ما أود الحديث عنه في هذا المقال..

Body worlds والجمال التشريحي لجسم الإنسان

بالنسبة لمن يدرس الطب، قد تكون تجربة الدخول إلى المشرحة لأول مرة أحد التجارب السيئة في حياته، فرائحة المثبتات المزعجة، وملمس الجثة الدبِق لا يروق للكثيرين بالتأكيد، لكن في المتاحف العلمية يختلف الأمر كلياً.

في متحف Body Worlds الذي أنشاه الطبيب وخبير التشريح (Gunther Von Hagens) تُعرض جثث جُعلت بوضعيات مختلفة تمثل حركة الجسم البشري، بعض الأمراض والأذيات، والبنية التشريحية الجميلة لأجسامنا، وتعتبر زيارته فرصة كبيرة لمشاهدة العالم الداخلي الذي يتوضع داخلنا ويقوم بالعمليات اللازمة لحياتنا، وخاصة العضلات التي عُرضت بطريقة فنية مثيرة للإعجاب، وقد لقي المتحف إقبالاً واسعاً، حيث قام حوالي 38 مليون شخص من 90 مدينة مختلفة حول العالم بزيارته.

وقد قام الطبيب Gunther باختراع آلية Plastination في تثبيت الجثث وحفظها، وهي تجعل الجثث في وضعية ثابتة، وتزيل رائحتها، مما يجعلها جاهزة للعرض، وإليك سير العمليات في هذه الطريقة:

بدايةً تُجفف الجثث عن طريق وضعها في محلول من الأسيتون، ثم يتم تشريبها بالسيليكون، وبعدها يجب وضع الجثة بالشكل المطلوب، كمحارب يمسك بالرمح، أو شخص يركب الحصان، حيث يجب أن تأخذ الجثة شكلاً متناسقاً يماثل الوضع الذي يكون عليه الإنسان في الوضعية المطلوبة، وكل عصب، شريان، وريد، وعضلة، يجب أن يكون في مكانه الصحيح، وهو ما يعتبر فناً بحد ذاته، حيث يحتاج إلى خطة عمل منظمة، ومحاكاة كبيرة للواقع، وهذا قد يتطلب أسابيع من العمل، بعد ذلك يتم ضخ غاز لتثبيت الجثة وتجفيفها، وعندها تكون جاهزة للعرض، حيث تزول منها الروائح بعد المعالجة، ولا يعود ملمسها مزعجاً.

يتبرع الكثيرون بأجسادهم بعد موتهم من أجل صناعة مثل هذه النماذج، ويجب توافر صفات معينة في جسد المتبرع، حيث يجب أن يكون سليماً من الأمراض المعدية كالأيدز حتى لا تنتقل إلى الباحثين، سليماً من الإعاقات، لا يتجاوز وزنه 250 باونداً، ويمكن أن نعتبر هذه المتاحف أداة تعليمية مفيدة جداً، حيث يمكن أن تؤخذ مقاطع عرضية في أجهزة الجسم، أو على طول الجسم كله، مما يساعد في رؤية صورة واضحة واقعية للجهاز أو العضو بعد إجراء طريقة plastination عليه.

Corpus Museum رحلة رائعة في أنحاء الجسم البشري

ومن هذه المتاحف التي تعرض الجسم البشري أنواع أخرى بفكرة مختلفة عن سابقتها في Body Worlds، حيث يتم إنشاء نفق طويل تكون بدايته عبارة عن مدخل كبير إلى فم إنسان، تدخل بعدها إلى الأعضاء الداخلية، والمتحف الوحيد في العالم الذي تبنى هذه الفكرة بشكل ممتاز، ووضعها موضع تنفيذ هو متحف CORPUS في هولندا.

وقد افتُتح عام 2008 بإشراف الملكة، وفيه يمكنك أن تقوم بجولة رائعة في جسم الإنسان، كما يمكنك أن تحصل على إجابات مرئية أمامك لعشرات الأسئلة لديك حول الجسم البشري، فترى مثلاً كيف ينمو الشعر، لماذا ننام، وما هو تفسير العطاس، وكيف تستجيب معدتك للجبن عندما تأكله، كيف ينبض قلبك، كيف تعمل خلايا الدم الحمراء في نقل الأوكسجين، وكيف تنتقل الإشارات العصبية في دماغك، وغير ذلك.

وأثناء الرحلة تستطيع سماع شرح لما ترى حولك، وهو متوفر بثمان لغات، كما يمكنك مشاهدة العديد من العمليات التي تحدث في جسمك عن طريق نظارة 3D التي تظهر تجسيماً لعملية معينة عن طريق التأثيرات البصرية بأضواء الليزر.

يمكن أن نعتبر متحف CORPUS مركزاً تعليمياً وترفيهياً أيضاً، حيث تم إنشاء بعض النشاطات التي تشجع حب المعرفة لدى الأطفال، هذه النشاطات هي عبارة عن ألعاب قائمة على فكرة طبية معينة يخرج منها الطفل بفكرة راسخة عن جسمه، أليس هذا رائعاً؟!!

المصادر: 1،2،3،4

بعد أن سمعت بهذه المتاحف لا بد وأنك تتوق لزيارتها في حال كنت من محبي الغوص في حقائق الجسم البشري، ومشاهدة جماله وتنظيمه وروعته، لذلك أترككم مع مجموعة من الصور التي تريكم البنية التشريحية التي أبدع متحف Body Worlds في إظهارها بشكل فني بديع كما أعرض لكم مجموعة من صور متحف CORPUS الذي يأخذك في جولة جميلة في الجسم البشري.

وكلي أمل أن تكون هذه المشاريع محط نظر رجال الأعمال والمهتمين بالمعرفة، فالفائدة التي تقدمها والمردود الذي يمكن أن يعود منها كبيران، لقد اكتفى العالم من بناء المنتجعات والأندية والملاهي، حان الوقت أن تأخذ المعرفة جزءاً أكبر من اهتمامنا، أليس كذلك؟!